------المجلد الثاني------العدد الثالث

مدخل منهجي لتاريخ الطبّ في الأندلس

تحميل المقال  

توطئة:

إنّ التراث حقيقة تاريخية لا سبيل إلى الانفكاك منها، وإن بدت ظاهريا بائنة ومنفصلة من
حيث الوجود بحكم ارتباطها بالزمن الماضي. ومن ثمّة يمكن إدخالها تحت مسائل الكمّ المنفصل؛ فهي في جوهرها وحقيقة وجودها، متّصلة تحيط بنا من كلّ جانب. كلّ دائرة من دوائر اتّصالها تبدأ بنقطة وتنتهي عند نقطة جديدة لتكوّن دائرة أخرى، وهكذا يمكن إدخالها تحت مسائل الكمّ المتّصل بسبب الحركة التداوليّة للتاريخ.

وما كثرة الأعمال التقويمية المشتغلة بالتراث، إلا دليل قاطع على ملازمة هذا الماضي لنا، ومن ثمّة إدراك مدى الأهميّة التي يحتفي بها التراث، ولكن لماذا ندرس هذا الأثر الذي انقضى زمن وقوعه ؟ وما هي الآليات التقويميّة التي نوظّـفها في دراسة من هذا النوع ؟

للجواب على هذين السؤالين لا بـدّ أن نحـدّد مجال ونوع الدراسة التراثيّة التي نودّ الكشف عن أطرها وأسسها المعرفـيّة.

مجال الدراسة هو تاريخ العلوم في الحضارة العربيّة الإسلامـيّة، ونوع العلم الذي هو محطّ أنظارنا والذي نريد إخضاعه لأدوات البحث والتنقيب هو علم الطبّ، وبما أنّ التقويم للنصّ التراثي هو عمليّة نقديّة لمضامينه ووسائله؛ فالبحث في تاريخ أيّ علم من العلوم، أو استقراء مراحل تطوّره عبر حضارة ما، لهو إعادة تركيب البناء المنطقي وصياغة الجهاز المفاهيمي لإنسان تلك الحضارة من خلال الوقوف على العلّة الأولى التي وجّهت المسار وحدّدت الغاية!..

والبحث في موضوع من التراث، هو عمل نقدي لمضامين النصّ التراثي واختبار لوسائله المنتجة له، وهذا يعني أنّ التوصّل لفهم المضمون لا يتمّ إلاّ بتحديد الآليات الإنتاجيّة أو الأصلـيّة، والإحاطة بالكيفيّات العامّة والخاصّة التي تدخل في بناء هذه المستويات المضمونيّة(1)، بمعنى ألاّ نبتعد عن الإطار العامّ للحضارة العربيّة الإسلاميّة، وألاّ نجزّئ الموضوع إلى قطع متناثرة غير متّصلة.

وعليه؛ فإنّ « تاريخ العلوم يزيد من حظوظنا في اكتشاف أسس التفكير العلمي واتّجاهاته »، إنّه « المقدّمة الطبيعيّة لفلسفة العلوم »، كما قال بيير بوترو(2).

(1) د. طه عبد الرحمن: تجديد المنهج في تقويم التراث، المركز الثقافي العربي، الدار البيضاء، المغرب، ط 1، 1994 م، ص 23.

(2) د. محمد عابد الجابري: مدخل إلى فلسفة العلوم، الجزء الأول، تطور الفكر الرياضي والعقلانية المعاصرة، دار الطليعة للطباعة والنشر، بيروت، ط 2، 1982 م، ص 35.

اظهر المزيد

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.

زر الذهاب إلى الأعلى
إغلاق