العدد الأول

ترويض النص وإشكالية التوصيل رؤية في جذور نظرية الاستقبال في منهاج البلغاء للقرطاجني

تحميل المقال

كُلّ دراسة نقدية يجب أن تنظر إلى العوامل غير اللغوية مثل المتلقي والمقام والعلاقات المتوالدة من هذه الظاهرة لتحديد أسس بنية الخطاب وخصائصه، لكن الاهتمام بالمتلقي في النقد العربي القديم أشبه ما يكون بوميض برق يضيء فيخبوا، إلا أنّ المتلقي وجد نصيبه في منهاج البلغاء إذ ارتبط مفهوم الشعر عند القرطاجني ارتباطًا وثيقًا بالمتلقي فهو (كلام موزون مقفى من شأنه أن يحبّب إلى النفس ما قصد تحبيبه إليها ويكرّه إليها ما قصد تكريهه لتحمل بذلك على طلبه أو الهرب منه)([1])، ففي منهاج البلغاء لآلئ لم تخرج من صدفاتها عبر المسافات الزمنية بين كتابته إلى اليوم، إذ كان المتلقي قطبًا رئيسًا في أغلب محاور المنهاج، ويذهب حازم إلى ضرورة بناء الشعر على وفق تصور يدغدغ مشاعر الجمهور ويهزّها ووسمت بالأصالة تبعًا لذلك (المتصورات التي في فطرة النفوس ومعتقداتها العادية)([2])، ويشير القرطاجني إلى مهمة العمل الأدبي في التأثير في المتلقي أو اقناعه بقضية ما أو حتى حمله على اتخاذ موقف ما، ومن هنا ندرك أن القرطاجني تجاوز المفهوم الكلاسيكي للبلاغة في عصره حين اهتم بدراسة العمل الأدبي ثقافيًا واجتماعيًا، فكل عمل شعري هو بمثابة تواصل بين المبدع والمتلقي، يبدأ بتوصيل رسالة من نوع خاص ذات محتوى متصل بالقيم يوجهها المبدع إلى المتلقي بوساطة وسيط نوعي هو القصيدة، ولكي يتم توصيل القيم والمعاني التي تنطوي عليها القصيدة ينبغي أن يسلم كلا الطرفين بأهمية الفعل الذي يجمعهما والذي أبدع الشاعر فيه حين فرض الاستجابة على المتلقي في عملية التلقي([3])، لذلك نجد أن القرطاجني يجهد نفسه في القول في تأثير الشعر في النفوس وتكرر عنده العبارات التي تربط الشعر بمكوناته فضلًا عن تأثيره في المتلقي، فعبارة الـ نظم … من حيث يكون ملائمًا للنفوس أو منافرًا لها والألفاظ المرادفة لها نحو الأساليب والمعاني وحسن موقعها من النفوس قاربت العشرين عنوانًا وهذا يشير إلى حضور المتلقي في نظريته الشعرية([4]).

اظهر المزيد

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.

زر الذهاب إلى الأعلى
إغلاق